Search This Blog

Saturday, February 20, 2010

الاسكندر الكبير

المرجع: ج.م. روبرتس. "موجز تاريخ العالم" ج1. ترجمة: فارس قطان. http://www.reefnet.gov.sy/

 لقد بلغ من نجاح الجيش المقدوني أنه مكن فيليبس وابنه من بعده القضاء على استقلال مدن بر اليونان وإنهاء حقبة من تاريخ البشرية هي حقبة دولة المدينة. في عام 335 ق.م محيت طيبة عن بكرة أبيها واستعبد سكانها عقاباً لهم على ثورتهم، ويمكننا اعتبار هذا التاريخ نقطة تحول هامة، صحيح أن ثورات أخرى قد حصلت فيما بعد، إلا أن عصر اليونان الكلاسيكية العظيم كان قد ولى، ويكفي هذا الأمر وحده لكي يضمن لملوك مقدونيا مكاناً في التاريخ. إلا أن هناك تغيرات باهرة أكثر سوف تحدث في عهد الاسكندر ابن فيليبس، وهو واحد من الرجال القلائل في التاريخ الذين درجت العادة على إطلاق لقب ” الكبير ” عليهم. لقد سحرت شخصيته حلفاءه وأحاطت الأساطير باسمه حتى صار معبود الناس طوال آلاف السنين. كان الاسكندر قبل كل شيء محارباً وفاتحاً، ولكنه كان أكثر من هذا بكثير، ومن المؤسف أنه لم تبق لنا سيرة معاصرة عنه، ومازالت حقائق كثيرة حول حياته وشخصيته غامضة، ولكنه كان بلا شك قوة حاسمة لا في تاريخ اليونان وحدها بل في تاريخ العالم أيضاً، منذ عام 334 ق.م عندما عبر إلى آسيا لمهاجمة الفرس على رأس جيش مجند من دول إغريقية كثيرة، حتى عام 323 ق.م، عندما مات في بابل ربما بالتيفوئيد، وله من العمر ثلاثة وثلاثون سنة فقط
من فسيفساء تمثل الإسكندر المقدوني

كان الاسكندر مغرماً بإغريقيته، وكان يجل ذكرى أخيل الذي يعتبره جداً له ويحمل معه في حملاته نسخة يعتز بها من قصائد هوميروس، كما كان قد تتلمذ على يد أرسطو، وكان مقاتلاً شجاعاً بل متهوراً في بعض الأحيان، كما كان قائداً داهية وبارعاً في قيادة الرجال، وكان يعرف عندما يفتح البلاد أن يتصرف بتعاطف مع شعبها بعد الإطاحة بحكامها. وكان أيضاً رجلاً عنيفاً، إذ يبدو أنه قتل صديقاً له في شجار وهو ثمل، بل ربما وافق على مقتل أبيه.

فيليبس المقدوني والاسكندر الكبير

مهما كانت نقائص الاسكندر فإنها لم تمنعه من إحراز مسيرة باهرة من النجاح، لقد هزم الفرس في آسيا الصغرى في معركة ايسوس، ثم قطع إمبراطوريته كلها جنوباً أولاً عبر سوريا إلى مصر، وعاد نحو الشمال والشرق إلى بلاد الرافدين مطارداً ملك الفرس داريوس الثالث الذي مات أثناء فراره، فكانت تلك نهاية الحقبة الأخمينية. ثم تابع مسيره عبر إيران وأفغانستان ونهر جيحون (آمودريا) وما وراء سمرقدند، وأسس مدينة على نهر سيحون سيردريا، ثم عاد نحو الجنوب ثانية لكي يغزو الهند ولكنه بعد أن قطع مئتي كيلو متر وراء نهر الهندوس وصار ضمن إقليم البنجاب بلغ الإنهاك بقواده مبلغاً شديداً فجعلوه يعود أدراجه. وعاد في مسير فظيع على نهر الهندوس وعلى طول الساحل الشمالي للخليج الفارسي إلى أن وصل إلى بابل وهنا مات الاسكندر.

إلا أن حياته القصيرة لم تقتصر على الفتوحات، وسرعان ما تفككت إمبراطوريته من ناحية أنه لم يعد لها مركز حكم واحد، ولكنه نشر التأثير الهيليني إلى أصقاع لم يكن قد بلغها قط. لقد أسس الاسكندر مدناً كثيرة كانت تسمى على اسمه في العادة، ومازالت هناك مدن عديدة تحمل اسم الإسكندرية، عدا عن أماكن أخرى تحمل اسمه بصورة مقنعة. كما أنه مزج الإغريق والآسيويين في جيشه بحيث راح كل منهم يتعلم من الآخر، وصار هذا الجيش قوة أكثر عالمية. لقد جند الشباب من نبلاء الفرس، كما ترأس ذات مرة زواجاً جماعياً لتسعة آلاف من جنوده على نساء شرقيات، وترك الاسكندر الإداريين السابقين في البلاط الفارسي في مناصبهم من أجل إدارة الأراضي المفتوحة، بل إنه اتخذ اللباس الفارسي أيضاً مثيراً بذلك استياء رفاقه الإغريق الذين كانوا يستنكرون ما فرضه على زوار بلاطه من سجود أمامه سيراً على عادة ملوك الفرس.

إمبراطورية الإسكندر ومساره في فتوحاته والمعارك الهامة


لقد كان الإطاحة بأعتى إمبراطورية في عصره وإنهاء عصر المدن الإغريقية في أوروبا وآسيا معاً أعمالاً غيرت شكل العالم، ولو أن تأثيرها الكامل لم يتضح على الفور. وكانت هناك نتائج إيجابية كثيرة لم تظهر إلا بعد موته، عندما برزت آثار الأفكار والمعايير الإغريقية التي نشرها في أصقاع الأرض في البلاد الإغريقية وغير الإغريقية على السواء. ولهذا السبب صيغت كلمة هلنستي لوصف العصر الذي تلا موته والمنطقة التي غطتها الإمبراطورية السابقة أي بالتقريب المنطقة الواقعة بين بحر الأدرياتيك ومصر في الغرب وجبال أفغانستان في الشرق، أما إمبراطوريته نفسها فلم تبق متماسكة لزمن طويل، ولم يخلف الاسكندر وريثاً له سرعان ما راح قواده يتنازعون على الغنائم.

No comments:

Post a Comment