ببركة من راعي كنيسة القديسة أولغا، وبطلب منه، ألقى اللاّهوتي روني بوسابا، يوم أمس، الأحد3/ 4/ 2011، عظة بمناسبة أحد القديس يوحنّا السلمي معلم الفضيلة، وصاحب كتاب"سلم الفضائل". حيث قال:
"يا إخوة، آحاد الصوم ليست أعياداً للأشخاص المذكورين بل تذكارات. فنحن اليومَ لا نعيّد لميلاد يوحنّا السلمي أو لموته، بل نستحضره في هذه الرحلة الصياميّة مرشداً ومشددا. نقف معه ونتأمّل حياته ونقرأ في كتابه المدعوّ "السُلَّم". فتذكاره إذاً بمثابة واحة لنا في صحراء الجهاد الصياميّ. (بالمناسبة عيده في الكنيسة هو في الثلاثين من آذار)
يأتي تذكاره بعد أحد السجود للصليب- الذي وُضِع في نصف الصيام لئلا ننسى أن الصليب هو ممرُّنا الوحيد إلى القيامة- يأتي تذكاره إذاً مكمّلاً للمسيرة الرعائيّة التي خطّتها الكنيسة تدريجياً لتقودنا الى الفصح. وتقولُ لنا من خلال ذلك: انظروا أمامكم سلم الجهاد، حاولوا ارتقاءه، هو "سُلَّم مائل وَسَطَ العاصِفَة"- كما يقول محمود درويش في ديوان حالة حصار- أي هو سلّم خطير من الأساس، ويحتاج تسلُّقُه إلى فضيلة التمييز لحفظ التوازن، فلا يهوي بنا السلم ولا نتدحرج نحن على درجاته بعد مشقّة الصعود.
كتاب يوحنّا، المدعوّ كما قلنا، "السلّم" يلفت الانتباه من نواحٍ كثيرة. فهو يُقسَم إلى ثلاثين فصلاً، لا تتكلّم كلُّها على الفضائل بشكل مباشر. من بين الفصول، أي درجات السلم، نجد مثلاً عدداً من الرذائل، كرذيلة الكذب وهي الفصل الثاني عشر ورذيلة حبّ المال وهي الفصل السادس عشر وغيرهما من الرذائل الكثيرة. ماذا يعني هذا؟ يعني أنّ يوحنّا إذ يعلّمنا تمييزَ الرذيلة يقودنا تلقائياً إلى الفضيلة. فحين يتكلّم السلمي على الكذب نفهم تلقائياً ما هي فضيلة الصدق، فنحاول أن لا نكون كذّابين وهذا صعب- وقد تكون رذيلة الكذب كثيرة الشيوع إن نظرنا إلى أنفسنا.
أمّا وقد أتينا على ذكر الفضائل والرذائل، فلنتفكّر قليلاً في موقعها في حياتنا المسيحيّة. في زمن الصوم نُكثِر الكلام عادةً على تنمية الفضيلة فينا ونبذ الرذيلة. ولكن لماذا نقوم بذلك؟ ما الغاية؟
ما دام هدف المسيحيّ الوحيد هو الاتّحاد بالمسيح، فهذا يعني أنّ تنمية الفضيلة ليست هدفاً، وبالتالي هي وسيلة في تحقيق الهدف. ينتج عن هذا أنّ الفضيلة بحدّ ذاتها لا تجعل الإنسان مسيحيّاً. فكلّ الديانات تدعو إلى الفضيلة وكثير من المذاهب الفلسفيّة تنادي بالفضيلة. لكن متى اقترنت الفضيلة بالاتّحاد بالله تصبح ذات معنى أعمق. لا بدّ أنّنا كلّنا نتذكّر القول الشهير إنّ "الشيطان يصوم" أيضاً- فهو لا يأكل مُطلَقاً- فهل صومُه فضيلة؟ هذا الكلام يقودنا إلى أنّ الفضيلة في المسيحيّة مساحةُ حرّيّة. يعني أنّ المسيحيّ لا يعمل الفضيلة آليّاًً، وبلا تفكير. بل هو مدعوّ أن يراقب نموّ نفسه في الفضيلة بما ينتاسب ودُنوَّه من الغاية الوحيدة، أعني الاتّحاد بالله- وما عدا ذلك رذيلة. ولذلك لا يُطلَب من أحد أن يشابه غيره ويقلّده في عيش الفضائل، بل أن يعيش وفق ما يناسبه هو. قد تتساءلون وما هو الاتّحاد بالله؟ هو بكلّ بساطة المناولة! هذا هو الاتّحاد بالله. لا يأتي بحبس الأنفاس لثواني ودقائق كما تعلّم الفلسفات الآسيويّة، ولا يأتي بتصدُّر المجالس كما كان يفعل الفرّيسيّون. هو لنا المناولة والمناولة والمناولة.
سلم يوحنا ختاماً يا إخوة، هو بكلمة أخرى صليب. نصعد عليه لتُدقَّ في يدينا المسامير. ويَطعنَ جنبَنا الشرير، أيّ شرير. إن ثبتنا قُمنا. وإلاّ هوينا مع الساقطين. لذلك أرجو أن نتحلّى بصبر أيّوب ونكونَ سُلَّميّين. مكافأة أيّوب لم تتأخَّر، فقد نالها بعد طول صبر. ونحن لنا مكافأتنا كذلك: فالفصح دنا، وفرح القيامة سيُبهِجُ قلوبَنا!".
No comments:
Post a Comment