لمّاذا نبكي؟ والمسيح قام. لمّاذا نبكي وقد أشرق نور القيامة لنا. هل حزناً على من فقدنا؟ أم نبكي جهلنا حقيقة النصر والظفر على الموت. ألم يُمت المسيح الموتَ بموته؟ ألم تتفتح قبور الأبرار الذين ظهروا لكثيرين بعد أن قاموا بقيامة الرب؟ لمّاذا نبكي الموت، وقد صار حلمّا لنا. به نعبر إلى المجد الإلهي، لنجلس عن يمين الآب في ملكوته السماوي.
أنبكي من نراه أمامنا، جثة ًهامدةً، لا روح حياةٍ فيها؟ أم أنانيتنا التي نتذرع بها، تحت غطاء المحبة؟ وكأننا نحب من نفتقدهم أكثر من الله، ذاك الذي بذل ابنه الوحيد ليفتدينا من سلطة الموت، دون مكافأة أو عرفان بالجميل. أولسنا نحن من أخطأنا وهو من أحبنا حتى الصليب مكافئاً إيانا بالقيامة؟ ألا واجب علينا أن نكفكِف دموع أفئِدتنِا، لنصبو بها محبةً جامحةً نحو النور الإلهي، لتكون شكراً وتسبيحاً لهذه المحبة الإلهية.
دعونا إذاً نبكي، لا من هو سائر لملاقاة الربّ، بل ساعة انتقالنا حينما نقف أمام الديان العادل، بثوب خطايانا، الموشىّ والمرصّع بأثمن حلل الخطيئة. دعونا نترك النحيب والعويل على الراقدين، لكيما نصير جماعةً "تحيا حضارة موتٍ، وقد جاء المسيح ليجعلنا في حضارةِ القيامة" . دعونا نوقف الندب، واللطم، والصراخ، رغم كل آلام الفراق. دعونا نخلع ثوب حزننا الأسود، لنلبَس ثوباً يليقُ بالفرح. لنزف عروس المسيح، عروساً مبتهجةً، بأهازيج العرس، لا عروساً حزينةً، خجلةً بأهازيج الحزن والألم.
دعونا نوقف الوثنية، شعائر الوثنية، عادات الوثنية، أفضل من أن نزيد وثنيّتها وثنّية. لأنه كم من "الوثنيين عند موت أحد أولادهم يزينون رؤوسهم بالأكاليل، ويرتدون الثياب البيضاء، ليحصلوا على المجد مع أنهم لايعلمون شيئاً عن عدم الموت" . في حين أننا نحن من نملك حقيقة الغلبة على الموت، نُعوِّل موشِّحين عَويلَنا بوشاحِ ثيابنا الاسود. مزيّنين إياه بإيقاعِ لطمِ وجوهِنا الذي يترافقُ مع صُراخِ نسائِنا، وكأنّنا في مأتمٍ أكثر من وثنيّ، لا في عرسِ مسيحيٍّ، ذاهبٍ ليكونَ عروساً في الأخدار السماوية.
فإن أردنا أن نبكي، فلنَبكِ. لكن لا بكاءَ الجهّال الذين لارجاء قيامةٍ لهم، بل بكاءَ الحكماء الذين يبكون فرحاً بمحبّة إلههِم الذي يفتقدهم. وإن أردنا أن نحزن، فلنحزنَ لا كخطأةٍ بعيدين عن المسيح، بل كمؤمنين واثقين بأننا سوف نعاين نور المجد الإلهي. فلا الحزن ولا البكاء شيءٌ معيب لأنهما تعبيراً عن محبة الإنسان تجاه أخيه الإنسان. هذه المحبة التي عبّر عنها المسيح ابن الإنسان، عندما بكى على لعازر. هكذا فليكن بكائنا وحزننا فرحاً بحقيقة القيامة، ولنقل ما قاله هوشع النبي "أين أوباؤُك يا موت أين شوكتك ياهاوية" . المسيح قام، حقاً قام.
No comments:
Post a Comment