للمرة الأولى في التاريخ غبطة
البطريك الياس الرابع في الجزيرة العربيّة
صباح الأربعاء في
السابع من أيار سافر غبطة البطريك الياس الرابع على متن طائرة خاصّة تابعة لشركة
طيران الشرق الأوسط إلى جدّة على رأس وفد لتهنئة جلالة الملك خالد بن عبد العزيز.
وقد ضمّ الوفد السادة
أغناطيوس هزيم مطران اللّذقيّة، وجورج خضر مطران جبل لبنان، وغفرئيل صليبي معاون
متروبوليت بيروت، كما ضمّ أيضاً السادة قسطنطين زريق والأستاذ غسان تويني والدكتور
جورج طعمة والدكتور نجيب أبو حيدر.
وقد كتبت جريدة النهار
حول هذا الموضوع: "أنّه للمرة الأولى في التاريخ يقوم بطريك بزيارة الجزيرة
العربيّة، وللمرة الأولى منذ الإسلام يصل أحد أكبر المسيحيين العرب إلى المملكة
العربيّة السعوديّة حاملاً صليبه. أمّ البطريك فهو الياس الرابع بطريك أنطاكية
وسائر المشرق للروم الأرثوذكس، وأمّا الصليب فهو قضيّة القدس. في كونها مُلتقى
الديانتين، جسراً بين المسيحيّة والإسلام في أرض الدعوة الإسلاميّة وعلى بعد أميال
معدودة من مكّة المكرّمة".
وعند مغادرته بيروت
جرى لغبطة البطريك وداع رسمي، فرافقه في موكب من دار المطرانيّة في بيروت إلى
المطار نائب رئيس الوزراء السيّد ميشال ساسين ممثلاً فخامة رئيس الجمهوريّة وأدت
له ثلة من قوى الأمن التحيّة. وكان في وداعه والوفد المرافق له السفير السعودي في
بيروت وعدد من الشخصيّات الرسميّة.
وقد وصل غبطته والوفد
المرافق إلى جدّة في الساعة العاشرة والربع وكان في استقباله في المطار ثلة من
الحرس الجوّي والأمير فواز بن عبد العزيز أمير منطقة مكّة والفريق منصور الشعبي
قائد المنطقة الغربيّة العسكريّة والعميد علي مشغوف مدير شرطة جدّة والسيد سالم
سنبل رئيس المراسم في وزارة الخارجيّة والسيّد محمّد ناظر عن المراسم الملكيّة
والأستاذ رشيد فاخوري سفير لبنان في السعوديّة وأركان السفارة والجالية البنانيّة.
وانتقل الوفد إلى قاعة
الشرف في المطار حيث قال الأمير فواز للبطريك:"انّ قدوم غبطتكم إلى أرضنا لهو
حدث عظيم جداً في تاريخ علاقاتنا الروحيّة". وأضاف: "في هذه المرحلة
التاريخيّة حيث ينسلخ العالم عن الإيمان، أصبح من مسؤليّاتنا المشتركة أن نسعى إلى
ترسيخ الإيمان بالله في كل أقطار الأرض. وردّ البطريك الياس الرابع على الأمير فواز
بقوله: "يبقى العالم فارغاً مادام الله لا يملأ قلب الإنسان. فالعالم
والخبرات لا تفي شيئاً اذا لم يكن وراءهما قلب إنساني مؤمن حسّاس".
وانتقل الوفد بعد ذلك
لاستراحة قصيرة في فندق قصر الكندرة، وبعدها توجه غبطته بموكب رسمي إلى قصر
الحمراء للقاء الملك خالد.
وعلى مدخل القصر
استقبل غبطة البطريك والوفد المرافق السيد أحمد عبد الوهّاب وزير المراسم في
البلاط وتوجّه الجميع رأساً إلى القاعة الكبرى حيث كان جلالة الملك خالد يحيط به
الأمير فهد وليّ العهد والنائب الأوّل والأمير عبد الله النائب الثاني ورئيس الحرس
الوطني وبعد الترحيب والتعريف بالوفد جلس الملك خالد إلى جانب البطريك وقد أحاط به
الأمراء والمستشارون الدكتور رشاد فرعون والسيد كمال أدهم والدكتور معروف
الدواليبي وسفير لبنان في جدة.
تحدّث غبطة البطريك
فقال:"اني سعيد لوجودي في بلد مبني على محبّة الله تعالى، لأنّ إيماني هو
أنّه من دون الله ليس من شيء وانّ الله وحده هو الذي يوجّه وهو الذي يوفّق. ولقد
تعاقد العرب مسيحيّون ومسلمون في السرّاء والضراء وناضلوا يداً واحدةً في سبيل
الكرامة العربيّة واستقلال مختلف البلدان العربيّة. يطيب لي أن أشيد بذكرى الراحل
العظيم المغفور له جلالة الملك فيصل الذي اجتمعت به في لاهور وكانت القدس محور
اهتمامنا وكان رحمه الله ينظر إلى القدس نظرة إلى قلب القضيّة الفلسطينيّة
العربيّة. وكان المغفور له أوّل المجنّدين لأن يسهم وفد مسيحي في طرح قضيّة القدس
كي تأخذ وجهها المتكامل من حيث أنها قلعة للإيمان ضد الكفر والإلحاد".
"نحن كمسيحيين
عرب نعتبر أنّ خسارة القدس هي خسارة لكل القضيّة العربيّة. ونحن مؤمنون ان
اجتماعنا اليوم يؤكد وحدانيّة هدفنا. فمن جهة جلالتكم القدس عزيزة على قلوبكم كما
كانت عزيزة على قلب المغفور له جلالة الملك فيصل الذي نصب شعار الأمل في قلب
الأمّة العربيّة حين قال اننا نرجو ان نحج معا إلى القدس الشريف حيث العرب
المسيحيّون والمسلمون يلتقون معا في عمليّة صلاة وابتهال".
وأكّد
البطريرك"أنّ لا حاجة للتذكير بأنّ القدس ليست القيامة فقط ولكنّها مكان
الاسراء والمعراج لذلك هي صلة وصل عميقة بين أصحاب الإيمان بالله الواحد الأحد.ان
كل من هم وانا ضيوف علينا في تلك المدينة المقدّسة ليس إلاّ. اننا نضع يداً بيد
للعمل ما استطعنا في سبيل ابقاء القدس مدينة عربية قبلة لجميع المؤمنين بالله
وباباً روحيّا منفتحا على العالم بأسره".
وردّ الملك خالد على
البطريرك مشيدا بعروبته وإيمانه قائلاً:"اننا نحن عرب قبل ان نكون مسلمين
مستشهداً بأقوال ومواقف للملك فيصل، كما أعاد تأكيد سياسة المملكة بالنسبة إلى
القدس والدور الذي يمكن أن يلعبه الحوار الإسلامي_ المسيحي في تحقيق عروبة هذا
البلد المقدّس.
وخلال الحديث عبّر
البطريرك عن شعوره بالحاجة إلى عقد مؤتمر مسيحي عالمي تتمثل فيه مختلف الكنائس
وتكون غايته وجهة النظر العربيّة في ما يخصّ القدس وعروبتها بغية القضاء على فكرة
التدويل التي تبثها الصهيونيّة العالميّة عبر التميز بين الموقف المسيحي والموقف
الإسلامي، كما عبّر عن ضرورة المشاركة الروحيّة من قبل جميع المسؤلين في العالم
العربي، فلاقت الفكرة ترحيباً حارّاً من قبل الملك خالد والأمير فهد اللذين أكدا
التزامهما الكامل بمواقف الملك الراحل فيصل حول قضيّة الأماكن المقدّسة، كما اكدا
ثناءهما على موقف الكنيسة الأرثوذكسيّة والمسيحيين بصورة عامة من القضيّة
الفلسطينيّة والقضايا العربيّة.
وعند الظهر أقام مأدبة
غداء للوفد، الأمير أحمد بن عبد العزيز نائب أمير منطقة مكّة حضرها كبار الرسميين
السعوديين وسفيرا سوريّا ولبنان وبعض أبناء الجالية اللبنانيّة والسوريّة.
وغادر غبطة البطريرك
وأعضاء الوفد جدّة في الثالثة والربع بعد الظهر وقد ودّع بالمراسم التي استقبل
بها.
المرجع: النشرة
الرعائيّة لمطرانيّة الروم الأرثوذكس في بيروت. العدد11، في 30 حزيران، سنة 1975.